مثلث الشخصية
أنت مفعم بثلاث قوى رئيسية. فعندك العقل تفكر به، وعندك العاطفة تحب بها وتكره، وعندك الارادة تؤدي بها ما تريد أداءه من أعمال، وتمنع بواسطتها نفسك من إتيان أعمال أخرى. ولا شك أن شخصيتك لا تكون متكاملة إلا اذا كان مثلث شخصيتك متساوي الأضلاع. فلا بد أن يكون تفكيرك مساويا لعاطفتك، ولابد أن يكون ضلع الارادة في مثلث شخصيتك مساويا لضلعي عقلك وعاطفتك.والملاحظ أن بعض الناس يبدون إرادتهم في أشياء لا تجدي أو في أشياء تضر، وأن بعض الناس يصابون بالعجز الإرادي. ومن جهة ثالثة فان بعض الناس يصابون بالتذبذب الارادي.والفئة الأولى من الناس الذين يبدون إرادتهم في أشياء لا تجدي أو في أشياء تضر إنما يعيشون للعبث والاضرار بالآخرين. فالنصابون والمحتالون واللصوص وقطاع الطرق ومثيرو الشغب والمتآمرون يوجهون إرادتهم نحو الإضرار بأنفسهم وبالمجتمع في نفس الوقت. فهؤلاء لديهم إرادة قوية، ولكنها إرادة قوية للشر والعبث وليست إرادة الخير والبناء.والحري بالمرء ألا يوجه إرادته وجهات عابثة، بل يحول دفة إرادته نحو أشياء مجدية ومفيدة وبناءة له وللآخرين. فلا يجعل من يده أداتين للهدم، بل يجعلهما أداتين للبناء. وألا يوجه طاقاته الارادية إلى الضرر، بل يتجه بها إلى ما يفيده ويفيد المجتمع من حوله.أما الفئة الثانية من الشباب المصابين بالعجز الإداري، فإنهم لا يفعلون شيئا. إنهم يحلمون بالأعمال العظيمة، ولكنهم يشيدون قصورا في الهواء. إنهم يعيشون بأحلام يقظة خائبة، ولا يترجمون تلك الأحلام العظيمة إلى أعمال واقعية..والعجز الإرادي يقضي على الشخصية بالذبول والموت. لقد خلقت بيدين لكي تعمل بهما. ولقد خلقت برجلين لكي تسعى بهما نحو المشروعات والأعمال. أما أن تتقاعس وتتقوقع على نفسك وتدس رأسك في الرمال كالنعامة، فإن هذا لا يغير شيئا من الحقيقة. إنك بتقاعسك وتقوقعك تموت وأنت حي، وتجف وأنت نبت أخضر، ويحكم عليك بالشيخوخة وأنت في ربيع عمرك.يقول لنا علماء النفس إن علاج العجز الإرادي سهل إذا رغبت وعزمت. فقط إبدأ فورا بالنهوض من مرقدك، إنفض عنك غبار الكسل الإرادي تجد نفسك قوي الإرادة. إن المصاب بالعجز الإرادي ليس بحاجة إلى طبيب نفسي يستشيره، وليس بحاجة إلى دواء ينشطه. إنك طبيب نفسك، ودواؤك في جيبك. قل لنفسك:" فلأبدأ فورا في إنجاز ما يجب علي إنجازه. ولأكن رجل أعمال لا رجل أقوال وأحلام
أما المصابون بالتذبذب الإرادي، فإنهم ما يكادون يبدأون في عمل ما حتى ينصرفوا عنه، إنهم لا يكملون أي عمل. فالواحد من هذه الفئة يسأم بسرعة ويتبرم بما في يده من أعمال. إنك تجد المتذبذب يتحمس جدا لأحد الأعمال ويسارع بالبدء فيه. ولكنه ما يكاد يبدأ في ذلك العمل حتى يزهد فيه ويتركه إلى غير رجعة لكي يبدأ في عمل آخر.وبعض المتذبذبين إراديا يفعلون نفس الشيء في الحب والزواج. فالواحد منهم يحب إحدى الشابات ولكنه لا يستطيع أن يستمر في حبه لها، بل ينصرف إلى غيرها. ونفس الشيء بالنسبة للمتذبذبات إراديا. فالواحد منهن تتردد في الإختيار، أو هي تختار ثم ترفض من إختارته، وتختار غيره. ولكنها لا تستقر على أي شخص يقع عليه إختيارها. ومصير هؤلاء المتذبذبين والمتذبذبات الفشل التام في الحب والزواج.فإذا كنت متذبذبا في حياتك فإنك تستطيع أن تلجم إرادتك بسهولة. أجبر نفسك على الإستمرار في العمل الذي بدأت فيه حتى تنتهي منه. إنك إذا دربت نفسك على هذا فسوف تحظى بالإستقرار الإرادي وتصير شخصا قوي الإرادة
وثمة في الواقع مجموعة من العوامل التي تعمل على تقوية الإرادة لعلنا نوجزها فيما يلي:أولا- العوامل الصحية:فمن المعروف أن الضعف العام والجوع والإصابة ببعض الأمراض الجسمية تؤدي إلى ضعف الإرادة، وتحمل المرء على التقاعس عن أداء الأعمال والنهوض بالمهام الموكولة إليه. أضف إلى هذا ما تؤدي إليه الشيخوخة من فتور في الهمة ومن ضعف في الإرادة في كثير من الأحوال. بيد أن الإصابة ببعض الأمراض قد لا يؤثر في الإرادة. ذلك أن هناك إرادات كثيرة لا إرادة واحدة. فلقد تجد الشخص المريض وقد أصيب في إرادته الأدائية العضلية، بينما يكون قوي الإرادة في إرادته الذهنية أو الثقافية. فثمة فلاسفة وأدباء قد ألفوا أعظم أعمالهم وهم على فراش المرض، بينما تجد أنهم لم يكونوا ليتمكنوا من النهوض بأعمال ومهام عضلية تحتاج إلى قوة عضلية وإلى بذل جهد جسمي.
ثانياً : العوام الوجدانية:..
فكثير من أمراض الارادة مردة إلى عوامل وجدانية سواء كانت عوامل حب أم عوامل كراهية. فلقد تكون شدة الحب لنشاط معين سببا في انصراف المرء عن ممارسة نشاط آخر. فلقد تجد الشاب الذي يسيطر حب كرة القدم على قلبه، وقد انصرف عن متابعة دروسه أو قد تقاعس عن الاستذكار والاستعداد لدخول الامتحان والتفوق في أدائه. ومن جهة أخرى فإنك قد تجد كراهية نوع معين من النشاط سببا في تخاذل الارادة عن النهوض به. فكراهيتك للقراءة قد تجعلك ضعيف الارادة بإتجاه استذكار دروسك أو بتجاه أي عمل ذهني أو ثقافي. ولقد يكون الحب العارم أو الكراهية الشديدة مؤقتين لأسباب مؤقتة. كما أنهما قد يكونان لأسباب مستمرة وذات فاعلية دائمة في حياة المرء. فإذا كان الحب والكراهية يتعلقان بأسباب مؤقتة، فإن ضعف الارادة يكون مؤقتا. أما إذا كان الحب والكراهية راسخين ومستمرين، فإن ضعف الارادة يظل جاثما على حياة المرء.
ثالثاً:العوامل اللاشعورية:
فثمة عوامل آنية تتعلق بالوقت الراهن من جهة، وثمة عوامل تضرب بأطنابها في حياة المرء منذ طفولته الباكرة من جهة أخرى، فلقد تكون هناك خبرات قديمة في طفولة المرء قد تركت آثارا قوية لا تندرس بمرور الوقت، بل هي تؤثر بطريق أو آخر في نشاط المرء وفي قوة إرادته. إنها قد تحول بينه وبين ممارسة النشاط في الحياة. فمثل هذا الشخص مهما حاول أو مهما مارس الآخرون من حوله وسائل الضغط عليه أو مهما مارسوا وسائل الترغيب والتشجيع المتباينة معه فإنه يجد نفسه خائر الإرادة لا يستطيع أن ينجز الأعمال أو أن يضطلع بالمهام، ناكصا عن التنفيذ أو عن العمل. ومن المعروف أن سجموند فرويد هو أول من أماط اللثام عن أهمية وفاعلية العوامل اللآشعورية في حياة المرء.
رابعاً : العوامل الاجتماعية:
فالواقع أن الإطار الاجتماعي الذي يغلف حياة المرء له تأثير كبير في قوة الإرادة. فلقد لوحظ أن الشخص في إطار المجموعة قد تقوى إرادته في إنجاز بعض الأعمال، بينما تضعف إرادته في إنجاز أعمال أخرى. فالأداء الحركي يقوى ويتدعم إذا كان المرء منخرطا في إطار جماعة من أنداده، فالجندي في ميدان القتال يضطلع بأعمال إرادية تتسم بالبطولة، وذلك بفضل تواجده مع أقرانه من الجنود، بيد أنه لا يستطيع أن يبدي نفس تلك الطاقة التي يبذلها أو أن يضطلع بما يضطلع به وهو في الإطار الاجتماعي إذا كان وحده يعمل في عزلة. ولكن من جهة أخرى فإن الفنان أو الأديب قد لا يستطيع أن ينتج فنا أو أدبا وهو في خضم الحياة الاجتماعية. فلقد يجد الفنان نفسه بحاجة إلى العزلة الطويلة والتأمل المستأني بعيدا عن المجتمع حتى يتسنى له أن يبدع فنا أو أدبا
خامساً: العوامل المعرفية:
فالأعمال التي يقوم بها أحد الأفراد إنما تكون بحاجة إلى قدر معين من المعرفة التي تتعلق بممارسة ذلك العمل. فأنت لا تستطيع أن تنهض بأي عمل ما لم تكن تعرف كيف يتم إنجازه. فالإرادة لا تعتمل في فراغ، بل تعتمل في ضوء أسس معرفية تتعلق بمضمون العمل وخطوطه العريضة. ولقد نقول إن توافر الحماس لأي عمل لا يكفي لانجازه. فلابد من تظافر المعرفة مع الحماس حتى تثمر المعرفة ويثمر الحماس ثمارا على أرض الواقع الحي. ونحن لا نعني بالمعرفة تلك المعرفة الذهنية وحدها، بل نضيف إليها المهارات، سواء كانت مهارات أدائية أم مهارات إجتماعية. فالمعرفة التي نعنيها هي تبصر ذهني وتبصر مهاري في نفس الوقت.
سادساً: العوامل الابداعية:
فثمة بعض الأشخاص يقبلون على الإختراع أو على الإبداع الفني أو الإبداع الأدبي. فما لم تتوفر لدى أولئك الناس المقومات الشخصية التي تهيئهم للإختراع أو للإبداع، فإنهم يستطيعون تقديم أي إختراع أو أي إبداع غني أو أدبي. والعوامل الإبداعية تأتي عن طريق الوراثة من جهة وهي التي تكفل توفير إستعدادات معينة بالشخصية، كما تأتي من جهة أخرى عن طريق المرانة والدأب على التمرن والتأمل وإعمال الخيال في المجال الإختراعي أو الإبداعي الذي يشارك فيه المرء. ولعلنا نقول إن قوة الإرادة التي يتمتع بها المخترع أو الفنان أو الأديب تلعب دورا أساسيا فيما يقدمه من مخترعات أو إبداع فني أو أدبي. إن العوامل الإبداعية لدى المخترع أو الفنان أو الأديب يجب أن تضاف إلى العوامل الخمس السابقة حتى تتوفر لديه قوة الإرادة الإبداعية..
إسم الكتاب: الشخصية الناجحة..المؤلف: يوسف ميخائيل أسعد..تلخيص :عاشقة الحسين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق